عجبتُ ليعقوبَ يوماً ولمَّا
تَجَرَّعْتُ ذُقْتُ وصرْتُ القَنُوعْ
وَلَكِنْ تَبَقَّى لَدَىَّ سُؤَالُ:
مِنْ أَينَ يَنْبُعُ بَحْرُ الدموع ْ؟
وكيف تُزِيلُ المياهُ الضِّيَاءَ
فيخفتُ فى فيضها ويضيعْ ؟
تَأَمَّلْتُ لم أهْتَدِ لمساوٍ
لروحٍ تموتُ بقلب صريعْ
**
تَجِيءُ اعتصاراً لقلبِ الخلايا
وعينِ الحنايا وعصفِ الضلوعْ
تَجِيءُ ارتشاحاً من الخافِقَاتِ
ومِنْ مُهْجَةٍ تكتوي فى خُشُوعْ
تجيءُ امتصاصاً لعُمْرٍ تَلَظَّى
بنارِ الفراقِ بغيرِ رجُوعْ
وتأتى جفافاً لروضٍ تَدَاعَى
وترشفُ من ماءِ تلك الرُّبُوعْ
وتأتى على كُلِّ عودٍ نضيرٍ
لتعصرَ حتى تَجِفَّ الزُّرُوعْ
ويسرى الذبولُ بطيءَ التَّهادِي
فتغدو وما عاد فيها ربيعْ
ويمضى الى ما تبقى عنيداً
ليقبضَ حتى تجِفَّ الضُّرُوعْ
هنا ينبضُ القلبُ بالمُقْلَتَينِ
وتبكى الجوارحُ بين الضلوعْ
**
ولا فرقَ فى عَصْفِها حين تَهْمِي
ما بين شيخٍ وطفلٍ رضيعْ
إذا ما استبدتْ تداعتْ حصونٌ
وخارتْ قِلاعٌ ولانَتْ دُفُوعْ
ولا غيرها حين قَهْرِ العزيزِ
ملاذاً على الذلِّ عند الرُّكُوعْ
وهل من مجيرٍ سواها إذا ما
تَرَدَّى الفوارسُ عند الوقوعْ؟!
تجيشُ إذا ما سَرَتْ فى الخلايا
دماءُ التَّذَلُّلِ عند الخُشُوعْ
تفيضُ إذا ما تزلزلَ جمْعٌ
ولاحتْ شروخٌ وبانَتْ صُدُوعْ
تفيضُ إذا طَوَّقَ الجائرونَ
مُحِبَّاً فأجْهَشَ وهْوَ يبيعْ
يُدَارِى نشيجَ البكاءِ عفيفاً
وفى صدْرِهِ عَصْفُ ريْحٍ مُرِيعْ
تَخِّرُّ الكرامةُ في رُكْبَتِيهِ
وما عادَ يأوي لسدٍّ منيعْ
وتَبقَى الدموعُ كَحِصْنٍ أخيرٍ
تُفَرِّجُ كرْبَاً وتَنْفِى الخُضُوعْ
**
تصيرُ الدموعُ بحورا مداها
مدى الدَّهْرِ سَحَّتْ بِثُقْبٍ رفيعْ
إذا ماتَ حِبٌّ ، ونادهُ قلْبٌ
وصارتْ عيونُ المُنَادِى شموعْ
أذا أظلمَ الكونُ من كُلِّ جَنْبٍ
بظلمٍ وضعْفٍ وذُلٍّ وجُوعْ
إذا ضاقتْ الأرضُ بالأبرياءِ
وألْقُوا بهم في ليالي الصَّقِيعْ
إذا سقط الحُرُّ بين الذئابِ
وما كانَ فى ظَهْرِهِ مِنْ شفيعْ
إذا استصرخَ الحقُّ كُلَّ مُغِيثٍ
ولم يلْقَ فى العالمينَ سميعْ
إذا حاقَ جُرْمٌ بِعِرْضِ البَرِيءِ
وأضحى افتراءً أثيماً ضليعْ
إذا أطْبَقَ القُبْحُ كلَّ الخِنَاقِ
وحارَ الجمالُ السَّنِىُّ البديعْ
إذا اقْتُصَّ حقُّ النبيلِ الشريفِ
وعاشَ على ظُلْمِهِ كقنوعْ
إذا حاقَ ظلمٌ بنفسِ الذكىِّ
ونادتْ به فى الظلامِ الجُمُوعْ
إذا ما تَجَبَّرَ طاغٍ عنيدٌ
على قلْبِ حُرٍّ نبيلٍ وديعْ
**
بَكِيْتُ كأنِّى سليلَ البُكَاءِ
كطفْل حزينٍ وشَيْخٍ شَقِىْ
وما بِتُّ إلا على غَسْلِ عينى
على ما تهاوى على ما بَقِىْ
على ما فَقَدْتُ على ما حُرِمْتُ
على غائبٍ طَيْفَهُ ألْتَقِى
أحارُ ولا أدْرِى هلْ هو حَىٌّ
فأحيا وأصبِرُ فى مَحْرِقِى
أم الموتُ حَطَّ على نورِ عينى
فأدْرِكُه كَدَمٍ نافِقِ
فَيَا نارَ قلبى على قلبِ أُمِّى
يُؤَجِّجُهَا القَيْدُ فى مَأْزقِى
ولوعةَ روحٍ تموتُ وتَحْيَا
بِبَحْرٍ شديدِ الدُّجَى مُغْرِقِ
وموتٍ يُحَاصِرُنِي إنْ صَحَوْتُ
وأغْفُو على دَهْمِهِ المُحْدِقِ
وتأتى الدموعُ لتَرْوىَ جُرْحَاً
وتُبْقِىَ بعض َأنِيْنٍ بَقِىْ
**
د. محمد عبد المطلب جاد
أستاذ سيكولوجيا الإبداع – جامعة طنطا